Arab Wall

الشيخ جمال قطب: "أنا لا أرى مكانا في مصر على الإطلاق لما يسمى دولة دينية"

مقابلة مع الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا واحد علماء الأزهر (2)69813712-pope-shenouda

حاوره إميل أمين

مصر، الاثنين 28 مارس 2011 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي القسم الثاني من المقابلة التي أجرتها زينيت مع الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا واحد علماء الأزهر. القسم الأول من المقابلة موجود على هذا الرابط.

* * *

** ألا يخيفكم  حكم العسكر في مصر ؟

عندي  هناك فرق عسكر قاموا بانقلاب او بمحاولة وتمسكوا بالحكم ،  وعسكر كهولاء  الذين من الله بهم علينا ، وتطوعوا لخدمة الشعب أمرهم مختلف ،  وللأسف يريدون التعجل والعودة الى سكناتهم ، يطالبهم الشعب  بالبقاء لو سنة حتى تندحر قوى الشر ، حتى يستتب الأمن ، هناك فرق بعيد بن عسكر مكثوا  قرابة ستين سنة وعسكر  جدد يتعجلون العودة الى سكناتهم .

** هل ترى انه ربما يتوجب مد واستطالة الفترة  الانتقالية لعام او يزيد حتى تستتب الأمور  امنيا  على الأقل ؟

أنا كثيرا ما قلت ذلك وليس  ذلك مراهنة على شيء إنما طلبا لأمور  لا تقدر عليها كل القوى السياسية التي أصفها  من الآن بأنها متعافية يعني كادت تشفى  مما أصابها من ضيق أربعين أو خمسين سنة ، فكل القوى  السياسية بما فيها الأخوان وغيرهم قادرون على العطاء لأنهم قد أصيبوا  بإجحاف وإبعاد  عن  ممارسة العمل خمسين سنة .

هذه  القوى  غير قادرة  في لحظة ان تطهر المحليات  او ان تعزل سلبيات  الحزب الوطني أو تفتح باب النقابات او تفتح باب الأحزاب ،  أو تعطي الصحافة حريتها ، هذا كلام ثوري وانا أمل ان  تلتفت القوى السياسية النابهة وما أكثرها ،  وتطلب الى الجيش ان يتم كما نقول بلغتنا العامية " يتم جميله " ويصفي ما لا تقدر عليه القوى السياسية  مع ترحيبنا به ورغبتنا ان تدار الحياة  السياسية من خلال قوى مدنية ، لكن المجهود المطلوب للبدء من جديد صعب عليهم في ظل ظروف البلطجة والثورة المضادة والمتربصين بأمن البلد نحن بحاجة الى  إعادة تهذيب وترتيب حتى يخلو المناخ  فإذا خلا فلتنطلق كل الرؤى السياسية  تعمر بالكيفية التي تراها .

** حال مضت الأمور  على هذا النحو هل مصر مقبلة على دولة مدنية ديمقراطية ام دولة دينية ثيؤقراطية مع كافة تبعاتها واستحقاقاتها ؟

أنا  لا أرى مكانا في مصر على الإطلاق لما يسمى دولة دينية ، إذا أدت الدولة وظيفتها وأعادت هيكلة مؤسساتها ، إذا قال الناس وقال أهل القانون تعبير عن هوية الغالبية  الغالبة لهذا الشعب ان الدولة  او دين  الدولة هو  الإسلام فأنهم  لا يعنون نفي الأخر ، ولا يعنون فرض  عقيدتهم على الأخر ولا يعنون  التدخل في شؤون الأخر  ولا يعنون فرض شرائعهم على الأخر ، إنما يقولون من يتولى يراعي ان الأغلبية  لا تساق ولا تدار بغير الدين .

ولذلك أنا طبعت إعلان  وكتبت في بعض الصحف أقول ان المادة الثانية في الدستور  لها ان تبقى ويضاف إليها فقرة تقول :" ويحمي الدستور حقوق جميع الشرائع السماوية في طقوسها وأحوالها  الشخصية ".

لا حظ هنا يحمي الدستور وليس القانون ، يعني لسنا بحاجة لوثيقة بعدل الدستور ، بمعنى تبقى الكنائس حرة والمسيحيين أحرار فيما  يطبقوا به شرائعه،  لا تداخل ولا عدوان ولا استنكاف  عند أي مسلم ان يعيش المسيحي مسيحيته ،  لأنه مواطن شريك  صاحب مكان في هذه الأرض لا يتقدم  عليه المسلم في الدنيا بأدنى فضيلة .

** لكن الاستفتاء على تعديل الدستور الذي جرى الأسبوع الماضي لم يكن برسم سياسي وإنما برسم اصطفاف مذهبي فرق بين المسلمين وبعضهم البعض قبل ان يفرق بين المسيحيين والمسلمين .. ما السر في ذلك ؟

مثل هذه الأصوات التي دعت للفرقة لا تعبر عن المصريين ولا عن الدين وأنا أريد ان استثمر هذا الحوار  وأقول ان الإسلام ليس كل ما يقال وليس كل ما ينادي به الناس ، الإسلام كتاب نزل من السماء مفتوح ومتاح  ومترجم عن كل  الدنيا ، وقليل جدا من الأحاديث النبوية الشريفة  تشكل مفاتيح لفهم بعض التطبيقات لهذا الكتاب ، أما ما عند الفرق والمذاهب  وحتى عند الأزهر فكل ذلك تعبير بشري ،  لا يؤخذ به الإسلام ومثل هولاء الناس.

وهنا أحب ان انوه الى اشكالية خاصة  تتعلق بهذا الفصيل الإسلامي المتمادي في أطروحاته وهو أنهم  كانوا قد  تورطوا وسقطوا سقوطا شنيعا  في بعض  الاغتيالات  في فترة السادات التي  تصاعدت الى قمة المنصة من فهم مغلوط للدين ثم تورطوا سياسيا ودينيا  في  مواجهتهم لثورة 25 يناير ،  كل منهم يرى انه قد قصر ، وأهان الثورة وكان يهيب بالناس ان ترجع الى  البيوت قبل ان يسقط النظام والظلم ،  فكان ينادون   الناس على المنابر أطيعوا أولى الأمر،   ممنوع الخروج على الحاكم ، فلما سقط النظام ،  أصبح هولاء القوم عرايا فهم يركبون الموجه الآن لا أكثر ، ولا عندهم فكر ولا عندهم سياسة .يريدون ان يقدموا  دورا لكنهم  لا فقها فهموا ولا سياسة حفظوا  .

** ما رأيكم ونحن على اعتاب العقد الثاني من القرن  الحادي والعشرين  ونجد من يطالب الأقباط  في مصر بدفع الجزية ؟

هذا كلام  يعبر عن جهل بحقيقة الدين قبل حقيقة المواطنة ، هذا كلام فيه تجاوز كثير جدا جدان  كلام مغلوط لأكثر من سبب و سأضرب مثالا  تاريخيا يغيب عن هولاء الناس ، حينما فتح  الرسول مكة كان فيها مشركين من  العرب  ،   والمشركين في مكة لم يسلموا كلهم يوم الفتح ، وبقيت أعداد منهم لأكثر من عشرين شهر  على غير إسلام أي على الوثنية   فهم أنكى واشد،  وكان نداء الفاتح  يقول من دخل المسجد الحرام فهو آمن  ومن دخل بيته فهو امن ولم تطلب  الجزية كما صرحت بذلك السيرة من المشركين لأنهم أبناء وطن  أصحاب  وطن مثلنا فكيف تطلب من المسيحيين ؟

الجزية تاريخيا حتى يفهمها الناس هي نوع من أنواع التعبير عن الالتزام الوطني ، وليس الديني بمعنى  انه إذا وجد مجتمع فيه مسلمون  وغير مسلمين ، المسلمون ملتزمون بدينهم ودستورهم فإذا أرادت الدولة ان تطمئن الى الشريحة الأخرى التي لا تدين دين   بالإسلام لا تكلفهم ان يتركون  دينهم ولا  تكلفهم أكثر مما يسمى رسوم الدمغة او الهوية للوطن لان المسلم يؤدي زكاة للدولة لبيت المال ويبقى منها ما ينفق على مرافق المجتمع  والمسيحي شريك للمسلم في هذه المرافق لكن لأنه غير مؤمن بالإسلام لا يطلب منه دفع زكاة  إنما كانت رسوم قليلة تعبر عن التزامه بالدولة   ، جزاء تعبيرهم بالرضى عن دستور البلد  وليس بدين البلد .

** هل هذا المفهوم ينسحب في أوقاتنا هذه وفي إطار المواطنة الأوسع ؟

لا  ، هذا تاريخ فقط ، أما وقد وجدت الدساتير وأصبحت الجيوش تجند  على أساس  وطني فلا محل لمثل هذا ، هذا الطلب ليس  من ثوابت الشريعة وإنما من متغيراتها ، ففي مرحلة  تجاوزتها الظروف،  ووجد وطن له قانون ودستور فليس هناك ما يلزم غير المسلم بسداد أي ثمن .

**  هل أنت راض عن حالة المواطنة في مصر بشكلها الحالي ؟

لازالت هذه الحالة  التي نتمنى ان نعيشها بشكل صحيح بحاجة الى رعاية وبحاجة الى تقوية ، والى إعلام قوي ومؤسسين دينيتين غير اللتان  أشرت إليهما  .

كنت أسال طوال أيام الثورة  فأقول  المؤسسة الإسلامية عاجزة والمؤسسة المسيحية متجاوزة اقصد  الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، كانت تزاول عملا من أعمال الدولة وتقوم من رعيتها مقام الدولة  لان الدولة ساقطة وفاشلة في  أمور كثيرة وفي وقت قصرت المؤسسة  الدينية الإسلامية عن واجبها الديني ولو انضبط الميزان لأحسسنا  بمواطنة تفوق كل مواطنات العالم .

** هناك حالة ذعر وهلع عند كثير من  الأقباط تدفعهم للتفكير في الهجرة .. هل هم على حق في  مخاوفهم هذه من جراء نامي حركات الإسلامي السياسي وكيف نهدئ منها

لا  لست مع من يخاف لسبب ، أصحاب  هذه الأصوات لا يملكون من أمر دينهم ما يجعلهم قادة في نفوس الناس،  ولا من أمر دنياهم ما يجعلهم قادرون على التحكم في  مصالح الناس  ومصائرهم ، وانضباط الأزهر وتقويته واسترداده لحقوقه وسيطرته على الدعوة الرسمية ، كفيل بان يضع كل إنسان أمام حجمه الطبيعي ويهدئ من روع الأقباط والمسلمين على حد سواء  وإذا وجد المواطنون في مصر أزهرا قويا كل هولاء الدعاة  سيختفون من على ساحة الأحداث .

دعني اضرب مثلا  في ظل  ضغوط السنوات المريرة  السابقة ، استطاع شباب الجماعات الذين قتلوا السادات ان يرجعوا أنفسهم وهم خلف الأسوار هذا مع شدة قصور الأزهر ، فما بالك إذا قوي الأزهر  ، سيجد   الناس مؤاخاة  ومواطنة  تسبق كل العالم .

** لكن ما جرى في الاستفتاء على تعديلات الدستور اثبت ان تلك التيارات  المناوئة للأزهر إسلاميا هي صاحبة التأثير الأكبر في الشارع المصري ؟

هناك أمور في الشكل وأمور في المضمون ، هذا  الاستفتاء كان متعجلا ،  ولم يأخذ حقه في الدعاية  والتأهيل الإعلامي الكافي ، أنا على ثقافتي ودرايتي ، لم أجد قولا رسميا حتى يوم الاستفتاء يقول لي ان هذه المواد التسع أو العشر ستصبح  إعلانا دستوريا ،  هذا لم يصدر عن القوات المسلحة الرسمية ولم يركز عليه الإعلام وقوى هذه الشبهة  ان المواد بقيت تناقش وعرضت للاستفتاء بأرقامها في الدستور القديم  ومعنى ان تعالج مواد كأنك ستحي بقية هذه القائمة  فكثير من الناس  لم يفهم ان تصحيح هذه المواد سيصبح دستورا قائما بذاته .

هذا الفهم الخاطئ تسبب في حالة الاستقطاب الطائفي الذي رايته،  وكثير من الناس صدرت لهم تعليمات من قيادة دينية عليكم ان ترفضوا وتفاجأ الجميع   بهذا الفصيل( الأقباط) على غير العادة ففوجئوا لناس على غير العادة يمضون الى الاستفتاء في  طوابير مجمعة قد يكونوا تجمعوا للتجديد والحرية في المناخ لكن التقط الناس إشارات  مذهبية فكان لابد للطرف الأخر ان يقول نعم    ما دام الند سيرفض.

.وللأسف الشديد  أطراف الاستقطاب لم يكونوا   على مستوى المسؤولية الدينية ولا على مستوى المواطنة .

**   هل معنى ذلك ان هناك خطا بنيوي في الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي على حد سواء في مصر ؟  وإذا كان ذلك كذلك فكيف له ان يعالج ؟

لا شك ومازال قائما الى الآن . والعلاج لابد ان يعاد الى الأصول ،هذا  تحدي كبير جدا لما؟

لأنك حينما تريد ان تصحح أخطاء خمسين أو ستين سنة تريد يدا قوية لأنك تواجه جيلا كاملا بلغ الستين من عمره لا يعرف إلا هذه الممارسة ،  فما لم تكن قويا مسنودا لا تستطيع وهنا التحدي الأكبر ، رجال يزاولون دعاواهم ويحتلون مناصبهم لحماية الخطأ أو الدعوة إليه ، فتصحيح هذا الأمر  يتطلب قدرة ان تضع الأمور في نصابها وان تضع النقط على  الحروف حتى يفهم الناس ان هذه المؤسسة لا تنطق رعاية لحاكم ولا أملا في  مكسب ولا يخرج عنها  إلا ما ينفع الناس ويرضى الرب وهذا تحد كبير  جدا للمؤسستين المسيحية والإسلامية .

**  ما رأيكم في قيام أحزاب سياسية على أسس  ومرجعيات ديني  إسلامية أو مسيحية ؟

قل ان أجيب أقول لو ان  المواطنين وجدوا في دولتهم مؤسسات دينية قوية لرغبوا وانصرفوا  عن أي حزب ديني وأقول بل حتى عن أي جمعية دينية ،  إذا وجد المسيحي وجبته الشهية فيما يقال في الكنيسة لن يذهب الى  حزب ديني او جمعية  دينية ، وإذا وجد المسلمون شهيتهم الدينية على المنبر  وفي المؤسسة وفي  الأزهر وفي وسائل الإعلام المحترمة لن يعيروا التفاتا الى جمعية او حزب  .

أما وان المؤسستين الدينيتين أحوالهما  كما ذكرنا،   فلا ملجأ  للناس إلا الجمعيات والأحزاب ،  لا بد وان نقوي المؤسستين  حتى يصبح  ادعاء حزب سياسي ديني  او جمعيه دينية دعوى بغير ضرورة أو دعوه  لا تجد لها جماهير بين الناس .

أما وان  وهناك عجز في الدولة لا يجد المواطن مؤسسة دينية تنصح الحكومة وتردها لابد ان يبتكر آلية   ينصح بها الحكومة ويردها .

**  أطلق المرشد العام للإخوان المسلمين الأيام القليلة المنصرمة دعوة للالتقاء مع شباب الأقباط لإسقاط حاجز الخوف بين الجانبين ... ما رأيكم في هذه الدعوة وفرص نجاحاتها ؟

الحقيقة هذا الجيل من قيادات دعوة  الأخوان أنا اقدر قدرته ، وانضباطه وسعيه وأمانته ،  ان أؤيد مثل هذه اللقاءات  وأقول من عندي ان الأخوان شانهم شان غيرهم من المتدينين  ليسوا هواة  للعمل الديني  لكن  وجدوا عجزا فقاموا بسداده ،  واصل الجماعات الدينية في العالم  كله ما هو ؟ لماذا أنت تنشئي جمعية خيرية من الأصل لرعاية الفقراء ؟ أليس لان الدولة مقصرة في مراعاة الفقراء ، وهكذا تنشا جمعيات تدريس الأديان لان الحكومة لا ترعى مؤسسات دينية قادرة   على تدريس التدين وتوصيله بشكل صحيح ،  المؤسسات الدينية على الجانبين الإسلامي والمسيحي في مصر انطلقت من عجز واضح في مؤسسات الدولة .وأنا لا أخاف  من أي تيار ديني إسلامي أو مسيحي  أبدا ، إنما أخاف  من عجز الدولة واهترائها،   كلما ازدادت مؤسسات الدولة عجز  كلما اتسع المجال لتشققات  .

** الحوار بين أتباع الأديان ما هو رأيك فيه  سيما في ظل الأزمات التي حطت به مؤخرا ؟

الحوار في طبيعته قبل الديني مبدأ أنساني وتواصل،  الإسلام دعا اليه  بآية واضحة  لا تحتاج الى تأويل أو تفسير "  وجعلناكم شعوبا  وقبائل لتعارفوا ، لن يأتي التعارف  إلا بالتواصل ولن يأتي التواصل إلا بالحوار  . الحوار هو أداة إنسانية  رفيعة المستوى بحاجة الى شفافية  وقدرة وتكافؤ،  إذا وجد ت هذه أنا أظن سيستغنى الناس عن كثير من  أظافرهم وعن كثير من الأسلحة التي في أيديهم .

** تساؤلانا الأخير بالعامية المصرية " مصر رايحه على فين " ؟ وما هي أمنياتك القلبية لمستقبلها ؟

لقد أصبح   الباب مفتوحا لان تذهب مصر الى مكانة إنسانية ودولية  رائعة ،   إذا وجد على  العتبات المفتوحة من يضبطون الحركة ومن يتقنون  حقوق الناس ،  وضوابط التحرك ،  أما التطوع والإقبال على العمل  دون دراية او تخصص  او مهنية فذلك يأتي بخسائر أكثر بكثير وقد تكون معوقات ،  الأبواب مفتحة  لعالمية جديدة تشترك فهيا  مصر و تنهض من  كبوتها وتؤدي دورها العالمي ،  في الحوار الإنساني الراقي الظاهر على الساحة الآن .

© ZENit - 28 march 2011